منذ كان الصمت ،قناع الخوف في دروب النسيان ،تعبٌرالخفافيش عن فوضى المكان المهجور في ذاكرة عربي،لم يعد يتذكر أبناءه السبعة ، ولا زوجته العجوز التي تلاعب الزمن بوجهها ،و انحنت مرغمة لرؤية أديم الارض ،كلما مشت في طريق الكهولة المريرة،والعيون تلخص ما تبقى من موت بطيء يحتمل كل الوجوه التي كانت تعتقد انها ستظل ناضرة ،رغم مرور السنين ،وهموم الأيام الحالكة ،مثل قطعة ليل هارب من ضوء قمر خافث يسرق همس الفؤاد ،ويرتل أغنيات العذارى على أبواب الزواج الموصدة بقرار جمهوري.
يتكئ على عكازه القديم،يحمي الديار بظله النحيل على امتداد الضوء،تخرج الأصوات عن المألوف ،وتصنع لنفسها سفن الظلام ،و أشرعة العودة إلى تخوم البلاد الغارقة في حمرة شمس ،تودع أهلها كل غروب ،وهي غير موقنة أنها ستعود مشرقة في اليوم الموالي،تكشف هول ما إقترفته يد الانسان في حق أخيه الإنسان ،وتواري التراب عن وجوه كانت بالأمس القريب ،تخاصم الجيران ،عن حق دفع الأذى لآخر جار ،يطل من شرفة بيت ،هو بيتك ،أراك تحمل أمتعة الرحيل صوب وجهة اخرى ،ولم يعد المكان يحتمل عدد الوجوه المتشابهة من زحمة الشوارع التي لا تعرف طريقها ،ولا تدري أين يصب هذا النهر المتدفق من البشر كل صباح ،والخبز يوجه فقراء العالم على مصير من لم يجد لقمة عيش شحيحة ،في زقاق ضيق ،لم يتعود على كشف وجهه السيء ،إلا من خلال عدسات التصوير ،والكوارث االمتتالية التي تعكس بطش ظلم حاكم في حق جسد الوطن الذي يشكو من إنتشار الحمى ،ولا دواء يعالج صداع الضمير ،وطهارة الروح من عذابات سقوط غرناطة ،وحامية السلطان في إحراق كتب الإعتراف،و مصاهرة العجم في اللباس ،والكتابة على يسار القلم....
ثمة متسع من الوقت ليعيد التاريخ صرخته الأولى في ما يجري الآن داخل حيز الرؤية المسموح بها أثناء معالجة الضوء بدماء سخية على حدود الجسد ،أرقب ما تبقى من حجر يتراكم فوق ظهر عجوز شمطاء تفاوض الوافد الجديد عن صمت الحقيقة في عيون هذا الوطن الممتد على أطراف المنفى ،والجرح الغائر في إرتعاش اليدين لا تقوى على حمل السلاح في وجه لم يعد غريبا عن مواطن السؤال ،و الإجابة السريعة مثل الوجبات الأمريكية على قارعة النوادي السياسية ،تأخذ الصورة عبارة الإحتجاج ، وتخون الذاكرة مشاهد القتل في أسواق الشرق،تعرض أصناف الجثت بأثمنة موسومة بالغضب،تلقى في العراق تتلقفها أنياب الذئاب الضالة في عواصم الغرب .متى أجد جثتي خارج الوطن تحمل حروفا عبرية للإستهلاك المحدود حسب طبيب مختص...