لم أكن أتوقع أن حياتي تأخذ منحى الإقصاء ،منذ أدركت معنى الأنوثة في داخلي ، واعتبار المرأة عورة في مجتمع ذكوري يرى فيّ رغبته الجامحة دون أن يفكر ولو لحظة من حياته التي يرى نفسه قويا بغيره، لا يقدس جمالية الإختلاف ،و التركيبة الإلهية التي أودعها في أضعف خلقه،أناني في طبعه حتى الثمالة ،و لا يعلو صوت فوق صوته، يصرخ كلما سنحت الفرصة لذلك ،يحاول فرض وجوده كما تقضي الأعراف والتقاليد .ولم يشعر أحد بما يختلج في صدر كل امرأة تفيض أحاسيس ومشاعر تغذي كبرياء الرجل ،وتدفعه إلى رؤية الأشياء من منظور مختلف ،وتصحح أخطاء الإنفعالات المتكررة،و الأخطاء التي يقع فيها وهذا الغياب الطبيعي لمسألة الإستماع إلى قلب كل امرأة لحلت عقدة الرجل ،واستفدنا من إمكانية العقل والآفاق الرحبة التي يتمتع بها قلب المرأة في تقديم الحلول الناجعة لأمراض هذا العصر.
الرجل لا يعترف بالآخر، فكيف يعترف بي ،وأنا ألاحظ سطوة أبي في البيت ،وتفضيل الذكر عن الأنثى ،والحصار المفروض بقوى قهرية تدفعني إلى التقوقع والإنكماش إلى الوراء، أعيد حسابات نفسي من جديد .وأتساؤل بحرقة مفجعة .هكذا يكون مصير كل فتاة مثلي تحمل متغيرات في بنية الجسد الذي لا اتحمل قسطا من هذه النظرة المتجذرة في ذاكرة الثقافة العربية منذ الخليقة ,وحتى هذه اللحظات التي اشعر فيها بالوحدة الوجودية ,وعلي تقبل كل شيء بابتسامة عريضة ,واقدم التنازلات المتكررة للحفاظ على مكانتي الاجتماعية .وتحرير نفسي من السنة مجتمع لا يصدق مايمكن ان يحقق ذاتي في تراكم هذا التمييز.
وتبرىء ذمتي من الاتهامات الموجهة لي كلما خرجت من البيت .لا أستطيع البوح عن حقيقة نفسي ،أمام تراجيديا الإتهامات الموجهة مسبقا ضدي ،فكيف لي الخوض في المسكوت عنه ،والممنوع من الحديث عنه ،ولو بمجرد التفكير فيه ،إننا نحن النساء صورة نمطية لمجتمع يقصي دورنا الفعلي في ركوب مخاطر الحياة الرجالية من أوسع أبواب التجربة و المردودية ، والتفاني في العمل لأننا نضفي على مسرح هذه الحياة نكهة الديمومة ولمسة عاطفية تزيد الإنتاج ،وتترك أريحية في فضاء امرأة تعمل في ظروف مثالية بعيدة عن نظرة الرجل الدونية ،و لا ترقى إلى مستوى الكفاءة في تدبير شؤون البيت وحاجيات سوق العمل ،ورغم كل هذا الجهد المبذول لا جديد في أفق تداول المرأة مناصب وزارية وإدارية ،وتقوية دورها الريادي على جميع مستويات العمل الذي يسيطر عليه عالم ذكوري بامتياز...
التاريخ الانساني يزخر بعطاءات المراة ،وعلى جميع المستويات ،ولا يمكن حصر دورها في مجال معين ،وتحت سقف اراد لها الرجل ان تعيش فيه ،تلعب الدور الثاني في مواجهة ظروف الحياة،وتظل على هامش المخططات التي ظلمت احقية المراة في اتخاذ نصيب وافر في شتى مجالات الادارة والتسيير والقضاء ،ومناصب عليا في ارقى المراتب الوزارية التي تخول للمراة حقها المشروع في ممارسة دورها الطبيعي الذي ظل مهضوما لسنوات من الحيف والاقصاء ،ونحن في الالفية الثالثة وما تزال اوضاع المراة تعيش على حضيض اهتمامات الرجل في البيت والمدرسة والشارع،وفي مقر العمل ،وفي بيت الزوجية ...انها مراحل قاسية من تجربتها الفريدة في ظل كنف رجل لا يؤمن بقدراتها في التنمية ،وتحاول ان تؤكد للجميع على انها قادرة للعب دور طلائعي في تغيير فكرة المجتمع الذكوري وحتى النسائي لاهمية قيمتها المضافة في جميع مسارات الحياة التي مر منها الرجل .
الصورة لا تكتمل الا بوجود المراة ،ولا يمكن ان يعمل الرجل في غيابها ،ثنائية تحتاج ان يتنازل الرجل قليلا لتسير قافلة العطاء والمحبة ،يشارك كل واحد بقسط يتفوق فيه ،حيث الشجاعة وركوب المخاطر وتحدي الصعاب ،وهي بقدرة عبقريتها في العطاء تضيف خصوصية ابداعية على الحياة التي يتقاسمانها معا ،وتحت سقف واحد دون افكار مسبقة ،ولا من خلال خلفية تاريخية ،تحتقر مشاركتها وتقلل منه .نحتاج اليوم الى روح جديدة لجسد بدا يتآكل بفرط انانية مفتعلة ،يضع المراة في المرتبة الثانية مهما حصل من تقدم ،وهذا فيه خيانة لدورها ،واحلامها الواسعة التي تتفوق على الرجل في أمور لا يفهمها إلا عندما يكون قريبا منها،يسمع الى نبض تفكيرها الطواق للابداع في كل شيء تلمسه بيديها...
وعلى الرجل ان يعيد حساباته في فهم شراكتها التي لا تقلل من وضعها الى جانبه،والمستقبل حافل بمتغيرات عميقة لتدارك الوضع الطبيعي الذي يجب ان تكون فيه المرأة.
وكل عام والمرأة العربية والاسلامية بألف خير ،وخاصة المرأة السورية التي تعيش تحت القصف،أو تحت الانقاض...إإ