أخاف من وجهي الذي أراه الآن،هي؛ الوجوه تختلف باختلاف أقنعتها،ثمة وجوه أخرى تشبهنني في هذا الامتداد المشحون برغبة التخفي،حين لا تعبٌر تقاسيم وجهك عما تشعربه
حيال الآخر،وهذا يدفعك لمقاومة شكل ملامحك الحقيقية بأخرى تراودك،يفرضها عليك واقع
إجتماعي،تتغير فيه جل القواسم المشتركة،التي كان يحملها الانسان لأخيه الانسان خلال مائة
سنة الأخيرة.
كم تحتاج من أقنعة كل يوم،أمر أصبح متعارف عليه،تقوم بوظيفة الرجل الآخر،الذي يسكنك
بكل آلياته التي تستخدمها عادة،وفي ظرف من الظروف، إنك لا تبتسم إعتباطا من تلقاء نفسك،أو جزافا كما تفعل دائما،وتقنع نفسك أنك تقوم بالعمل الصحيح،لكن إشعار الضمير يوبخك كل لحظة،عما تقترفه مشاعرك،وحالة الاحباط التي تعيشها بعيدا عن عيون الآخرين...
أقنعة،ترتديها وترتديك طوعا أو كرها،أصبحت لصيقة بك،تحدد ملامح شخصيتك المزيفة و المغلوطة،والتي تسقط في فخ الكذب المقنع بنشوة الغياب المؤجل،الذي يخفي وجهك الذي لم تعد تملكه.تنفلت منك بفعل الممارسة اليومية،والاحتكاك المباشر مع أشخاص يحملون نفس الأقنعة التي تعد مرض هذا العصر بامتياز،إنها تقتل فيك صفاء الروح،ومحبة الآخرين وصفات حميدة فقدناها بين ثنايا هذا التخاطب اليومي المرتبك،وكبت مشاعرك الصادقة بدون مبرر،يجعل منك شخصا غير قادر لمواجهة نفسك بنوع الأسلحة التي تستخدمها مع غيرك...
إن التصالح المستمر مع هذه الأقنعة،التي تقوم بدورها على أحسن وجه،أسلحة فتاكة تضفي نوع من التحايل على شخصيتك التي تحس أنها تخصك وحدك دون سواك،والتي لم تعد قادرة على كشف نفسها أمام نفسها،وتحديد ملامحها تتلقائيا بدون إستعمال أقنعة مواربة،تضع المرء في مأزق السؤال عن الذات في تجلياتها العفوية،وصدق المشاعر حيال طرف ثاني...
أقنعة جديدة كل يوم،حسب الحالة والظرفية،بل تطورت هذه الأقنعة مع تطور الجنس البشري،ولم تعد مقصورة على الحفلات الخاصة،حين يتزين الضيوف من النساء و الرجال بأقنعة مادية،تكشف عن مظهرها،خلاف الأقنعة التي لا ترى.
حياة الأقنعة،شر لابد منه،هكذا؛ نرى الواقع الاجتماعي في تجلياته الكبرى،يتسم بمظاهر متعددة في اختيارها،وأضحت علامة متميزة في وجه كل من أدمن على وضعها،وغير قادر على خلعها بفعل حدة المواقف التي يتعرض لها،أم لأسباب نفسية ومرضية،تضع حاملها مريضا نفسيا دون أن يدري،وجب معالجته ووضعه تحت العناية المركزة أمام مرآة الحقيقة.
شعور غريب،وأنت ترى أفراد يتحدثون بطواعية وارتجال،لكن سرعان ما يظهر الوجه الآخر في أكثر من موقف،وعندما ينصرف طرف من حلقة الحوار،تتغير اللهجة و النبرة،وكأن الانسان لا يقاس بمفرده بعيدا عن ثنائية الحوار،الذي يحدد معالم التجربة الانسانية في بعدها الحضاري،الذي ينكسر بفعل عوامل متداخلة ،من بينها: غربة الذات في تساؤلاتها المثيرة للجدل،وحول إمكانية تحديد مفاهيم وأسس هذه العلاقة المشكوك في أمرها،ورؤاها التي لا تستند إلى روح المبادرة،وفعل التآخي الذي نفتقره في زمن عولمة الأحاسيس و المشاعر المشتركة...
هكذا؛هي الأقنعة تضع فجوة عميقة بين الانسان ونفسه،وبين الآخر الذي يعتبر صلب الاشكالية الجوهرية،والثنائية الأزلية:أنا و الآخر.ونتساؤل بعيدا عن هذه الأقنعة التي نضعها كل صباح،هل يمكن العيش بدونها ؟،سؤال يحتاج إلى أكثر من جواب،ولحظة صمت رهيبة،تضع المرء عاجزا عن الاجابة بفعل هذا التراكم الاجتماعي،والادمان السلوكي الذي تنهض منه وعلى أساسه العلاقات الانسانية في مواجهة الآخر رغم كل شيء...
نحن،مقبلون على ارتداء أقنعة متطورة غير مكشوفة،لا ترصد حركة الوجه،وتجعلنا أكثر صدق/كذب.وأكثر إقناع من غيرها من الوجوه الجاهزة التي اعتدنا عليها كل يوم.
إننا،أمام سؤال كبير.ما حقيقة الانسان إذا كان مجبرا على وضع أقنعة تحفظ ماء الوجه؟،وأخرى تخفي ملامحه الحقيقية،وردود فعله التي تتغير حسب طقس انفعالاته،وحالات الغضب والفرح...وحقيقة المرء تكون في ذاته،في عزلته القاسية التي تظهر ملامحها على سجيتها الأولى او تأخذ منحى التأثير بسلوكها الجديد،فلا هي قادرة على استرجاع طبيعتها،ولاهي مقتنعة بالتخلي عن هذا الجبروت الذي يستحوذ عليها لصالح حقيقة التعامل الصحيح مع طرفي الحوار.
في ظل تنوع الأقنعة،لابد من حملة واسعة،نحارب من خلالها هذه الوجوه التي لا تشبهنا في شيء...
فل نبدأ من أنفسنا أولا...
خليل الوافي ـ المغرب